["كتب" هي سلسلة تستضيف "جدلية" فيها الكتاب في حوار حول أعمالهم الجديدة، نرفقه بمقاطع من الكتاب.]
أحمد الواصل عن "الخروج من المعبد" أو الهدم طريق الغناء العربي: محاولة لقراءة الهوية والذاكرة العربية والمسكوت عنه مشروع قادم ...
أن يكون الغناء العربي بمدارسه ومراكزه، واتجاهاته وروزه التلحينية والشعرية والغنائية ظواهر اجتماعية تعيد القراءة وضع شهادة على الذاكرة والهوية والثقافة. هذا ما يحاول أن يقدمه الناقد أحمد الواصل في كتابه الجديد "الخروج من المعبد: توليفات في أنثروبولوجيا الغناء العربي"(دار العين للنشر، 2013). في هذا الحوار يتحدث عن ظواهر مهمشة ومن عداد المسكوت عنه في تاريخ الغناء العربي، وهو يكرس في هذا الكتاب أكثر من خط بحثي انطلق به عبر أكثر من كتاب سابق ضمن ذات الإطار منذ أول كتاب" الصوت والمعنى"(2003).
تشكل تجربة الواصل النقدية فرصة لمعرفة مسار ثقافي، وهو الغناء العربي، المتقن والجاد، الذي يعتني به ممثلاً في تجارب عربية مثل أسمهان وفيروز والأخوين رحباني ووردة وغنام الديكان وأحمد باقر على غير ما تعطينا صورة الثقافة الجماهيرية والأقنية الإعلامية.
جدلية: كيف تبلورتْ فكرة الكتاب وما الذي قادك نحو الموضوع؟
أحمد الواصل: أعمل دائماً ضمن إطار مواضيع محورها الثقافة غير المادية ومحاولة قراءتها ضمن أساليب التحليل النفسي والأنثروبولوجي بأبعاده الاجتماعية والثقافية والسياسية.
وتتنوع الخطوط البحثية في مجالاتها وحقولها عبر فن الغناء وما يتصل به من الشعر والموسيقى والتصوير، والمجتمع والسياسة والدين. تمكنني بعض الحالات من وضع دراسات وأبحاث تتحول إلى أوراق عمل ومحاضرات أو مقالات منتظمة تتشابك في حدود جغرافية وتاريخية وموضوعية مشتركة تجعلني ذهنياً أمشي وفق خطة غير مكتملة لكنها تصنع الكتاب. وهو ما حدث معي حين تناولت ظاهرة التلقي بين الفنان والجمهور، فأنجزت كتاب"الصوت والمعنى"(2003)، وحين عملت تحت خطة محاولة تأسيس قراءة نقدية لتاريخ غناء الجزيرة العربية فوضعت "سحارة الخليج"(2006) و"تغني الأرض"(2010)، وحين عملت تحت خطة قراءة الذاكرة والهوية أنجزت كتاب"الرماد والموسيقى" (2009).
جدلية: ما هي الأفكار والأطروحات الرئيسية التي يتضمنها الكتاب؟
أحمد الواصل: لكوني شاعر بالأساس. فإنني أحيا بالاستعارة. تخيلت ذلك المعبد الذي نبنيه لنخرج منه أو نهدمه أو نعيد ترميمه. وتبدى لي أن يكون لفن الغناء مذبحاً وهيكلاً ونذوراً، ورهباناً وقديسين وراهبات لتمثل حالات الخروج والهدم خلال القرن العشرين، وهي حالات منتقاة وفق منهج ومفهوم "تيار التثاقف الغنائي" وكانت نماذجه ممثلة في أسمهان ومحمد القصبجي في مصر، والأخوين رحباني وفيروز في لبنان، ووردة وبليغ حمدي في مصر، وغنام الديكان وسناء الخراز وأحمد باقر وعالية حسين في الكويت، وسلمان زيمان وخالد الشيخ في البحرين.
واعتنى الكتاب في تسمية ودراسة مراكز الغناء العربي في القاهرة وبغداد وبيروت والكويت وما جاورها، بالإضافة إلى تناول بعض المناطق التاريخية المظلمة من بدايات الأغنية السعودية المجهولة، وتيار فن الجاز عند زياد الرحباني والموسيقى في أفلام يوسف شاهين، ومختبرات كتابة الأغنية المصرية عند أحمد شوقي والكويتية عند مبارك الحديبي وسواها..
جدلية: ما هي التحديات التي جابهتك أثناء البحث والكتابة؟
أحمد الواصل: تحديات التفكير والتحليل هي البدايات المستمرة، وهي ترتبط دائماً بعملية البحث والقراءة، والاستماع والمتابعة الدائبتين. بالإضافة إلى طرق الوصول والتنقيب عن مصادر ومراجع سمعية ومرئية قبل القرائية. مثلاً واجهت منذ قراءة أولى عن بدايات تسجيل الغناء الحجازي عبارات مبهمة عند الباحثة هند باغفار في كتابها" الفنون الشعبية" (1994)، وبعض الحكايات المتواترة عن وجود هذه التسجيلات وفقدها التام في منتديات ألكترونية منها منتدى زرياب حتى وجدت إشارات حاسمة في زيارة الرحالة الهولندي هورخورنيه إلى مكة المكرمة من 1907 إلى 1920م، التي سجل بها مجموعة منتقاة لفن الدان والمجس (الموال)، وصيغ الآذان والمدائح النبوية وتلابي الحجيج، وظهرت عند سجلات شركة ميشيان الألمانية تسجيلات لمطرب غير مشهور من الحجاز يدعى الشريف هاشم أعمال صدرت في أسطوانات بين تاريخ 1919-1921. كذلك السر وراء تبني صيغة الجاز اللاتيني عند زياد الرحباني فلاحظت أن تتبع تاريخ الجاز بأشكاله كان رحلة عبيد العرب في الأندلس إلى أمريكا، وفي مرحلة ثانية عندما امتزجت الروح اللاتينية بالروح الأفريقية شكلت مصدراً أو مرجعاً موسيقياً عند زياد الرحباني الذي حاول استثمار تلك البضاعة التائهة ولو من قبيل وهم التأثر عند أسترود جيلبرتو وجو سامبل .
جدلية: ما هو موقع هذا الكتاب في مسيرتك الفكرية والإبداعية؟
أحمد الواصل: يمثل هذا الكتاب مرحلة ثانية من مسيرة التحليل الأنثروبولوجي لظاهرة ثقافية عربية، متمثلة في فن الغناء العربي واحتكامه إلى المؤثرات الاجتماعية والسياسية والدينية.
ابتدأت مسيرة الإرهاصات النقدية: في كتاب "الصوت والمعنى" (2003)، وهي محاولة لرصد ظاهرة العلاقة بين الفنان والمتلقين والفنان وموضوعه والفنان والآخر المختلف جغرافياً، ومن بعدها توضح في مرحلة أولى اتجاه نقدي يعنى بمسألة تاريخ وأنماط الغناء العربي عبر كتابي: "سحارة الخليج" (2006)، و"تغني الأرض" (2010).
وأما المرحلة الثانية تسيطر عليها مسألة تحليل الذاكرة والهوية كمؤثرين في فن الغناء العربي منذ كتاب "الرماد والموسيقى" (2009) حتى "الخروج من المعبد"(2013).
جدلية:من هو الجمهور المفترض للكتاب وما الذي تأمل أن يصل إليه القراء؟
أحمد الواصل: كل كتاب يخلق قارءه. هذا مبدأ. سواء كان الكتاب شعراً، وهم قراء ذاتيون جداً، أو رواية، وهؤلاء قراء اجتماعيون حسب تلقي كتبي عبر سنوات.
لكن لهذا الكتاب وسواه،كل قارئ / قارئة يهتم لأمر مجال الكتاب أولاً ومواضيعه ونماذجه ثانياً، والأسلوب النقدي والتحليلي ثالثاً هو هدف الكتاب أينما كان ومن كان.
جدلية: ما هي مشاريعك الأخرى/المستقبلية؟
أحدم الواصل: أعمل على مشروع رواية ثالثة بعد روايتي"سورة الرياض"(2007) و"وردة وكابتشينو"(2009) وربما تأخذ وقتها للأدب متطلباته بينما أعمل على موضوعين نقديين هما:"المسكوت عنه في الغناء العربي" والآخر"تحولات أو مآلات الثقافة الشعبية" ربما تظهر أبحاثاً ودراسات أو مقالات لا أعرف. وهما موضوعان أخذاني لقراءة كتب التاريخ الاجتماعي التي وضعها ابن إياس والمقريزي والجبرتي.
[الرجاء الضغط هنا لقراءة مقطع من الكتاب]